عوامل ارتفاع معدلات الجريمة المستحدثة وسبل مواجهتها

تشير الدراسات الاجتماعية والأمنية المتعددة إلى أن مشكلات الجريمة المستحدثة وقضايا الانحراف بأشكالها المختلفة آخذة بالتزايد على اتساع مساحة الوطن العربي، وعلى مستوى العالم، وهي غير آبهة بما يقال عنها في مجال البحث العلمي، وغير معنية بالإجراءات التنفيذية التي تقوم بها المؤسسات الحكومية والأمنية ذات الصلة في معظم الدول، فتزايد مظاهر الجريمة والفساد والمخدرات بات واضحا بكل المعايير، على الرغم من كل الجهود التي تبذل هنا وهناك للحد من تنامي المشكلة، بل وكأن للمشكلة وجود مستقل تستطيع من خلاله أن تكيف نفسها مع ما يحيط بها من تحديات تستهدفها، لتجعل من الجهود التي ترمي إلى النيل منها عوامل جديدة تنميها مرة أخرى وتسهم في تطويرها على مستوى إجمالي المجتمع بعد أن تستقطبها وتحويها في دائرتها الخاصة، إنها تخضع بالفعل لقانونها الخاص في سياق تفاعلها مع المجتمع، فهي ليست نتاجا لمجموعة من الظروف أو العوامل الموضعية المبعثرة هنا وهناك، والتي يمكن التحكم بها، بقدر ما لها وجود يتلمس تأكيد ذاته في سياق التطور الاقتصادي والاجتماعي للدولة، وفي سياق تفاعل المجتمع مع البيئة المحيطة به، وتفاعله مع المجتمعات الأخرى. 
إن النمو المتسارع لمظاهر الانحراف والجريمة المستحدثة يرتبط بعوامل نفسية واجتماعية واقتصادية متعددة، بما في ذلك عمليات التواصل التي يقيمها المجتمع مع المجتمعات الأخرى، وما تنطوي عليه من تناقل للمعلومات والأفكار والاتجاهات، وبالقدر الذي تحمل فيه عمليات التواصل جوانب إيجابية وفعالة تسهم في تحقيق التطور الاجتماعي، فإنها تنطوي في ثناياها أيضاً على عوامل تسهم في انتشار مظاهر الخلل في الأدوار الاجتماعية والوظائف التي تؤديها مؤسسات المجتمع، وخاصة بالمقارنة مع ما كانت عليه في المرحلة السابقة، الأمر الذي يولد الأساس النفسي والاجتماعي لمظاهر الانحراف في أشكالها المتعددة، وعلى قدر ما تبدو مظاهر الخلل في الوظائف والأدوار تأتي مظاهر الانحراف أيضاً، والتي قد تصبح مصدر خطر حقيقي على المجتمع يتجلى في الأنماط السلوكية المهددة لحالة الأمن الاجتماعي العام، وتزداد هذه المظاهر خطورة مع نمو مظاهر التطرف السياسي والاجتماعي والديني، والتي تعكس في مضمونها محاولات الإصلاح التي يقدم عليها بعض أبناء المجتمع اعتقاداً منهم بأنهم قادرين على التحكم بصيرورة المجتمع وبمسيرته من خلال التحكم ببعض عناصره الداخلة فيه، ولكن سرعان ما تستقطبهم آلة الانحراف لتجعل منهم أدوات جديدة تستمد منهم قوتها واستمرارها، ويشكل الاستخدام الواسع للتقانات الحديثة عاملاً أساسياً من العوامل الأساسية التي جعلت الانحراف نظاماً داخلياً في كل مجتمع يعمل على إنتاج نفسه، ويعيد هذا الإنتاج باستمرار من خلال تجديد خلاياه من الأفراد الأضعف في تكوينهم النفسي والاجتماعي، مما يجعل المجال واسعاً ورحباً لنمو الجرائم المستحدثة ذات الأشكال المختلفة والأنماط المتعددة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق