ظاهرة تعاطي المخدرات تعريفها ومظاهرها والعوامل المؤدية إليها

تشغل مشكلة تعاطي المخدرات في المجتمع العربي، وفي العالم بصورة عامة حيزاً كبيراً من اهتمامات المفكرين والباحثين الاجتماعيين ورجال السياسة والمعنيين بمسائل الضبط الاجتماعي نظراً لما تحمله من مخاطر تهدد أمن المجتمع ومنظومات القيم والضوابط الأخلاقية للسلوك الاجتماعي، بالإضافة إلى آثارها المتعددة في بنية الاقتصاد الوطني المترتبة على انتشارها نتيجة امتصاصها للثروات الاجتماعية والإمكانات التي يملكها الأفراد من خلال أنماط سلوكية تحرمها الشرائع وتمنعها القوانين. يضاف إلى ذلك أن عملية التعاطي تؤثر على نحو سلبي في صحة المتعاطين أنفسهم، وفي أنماط حياتهم الاجتماعية، فضلاً على الآثار التي تتركها هذه الظاهرة في روابط الأسرة ومستقبل الأبناء.
وتأخذ الدراسات العربية في معالجتها لجوانب الظاهرة والقضايا المرتبطة بها مسارات عديدة، وتتناول موضوعات مختلفة، ففي حين يولي عدد من الباحثين اهتمامهم بالعوامل الاجتماعية والنفسية التي تؤدي إلى انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والآثار المترتبة عليها، يولي باحثون آخرون اهتمامهم بالمسائل التشريعية والقانونية التي من شأنها أن تحد من انتشار الظاهرة وتقويض دعائمها في المجتمع، كما تلاحظ أعمال أخرى مكرسة لإظهار المخاطر المترتبة على انتشار الظاهرة وآثارها السلبية على مستوى الفرد والمجتمع، وتأتي هذه الأعمال في إطار الجهود الإعلامية الهادفة إلى توعية الشرائح الاجتماعية الأكثر استعداداً للتعاطي.
وبتحليل الأعمال العلمية التي تهدف إلى معرفة العوامل المؤدية إلى انتشار الظاهرة وإقبال الأفراد على تعاطي المخدرات يلاحظ أن الباحثين يظهرون في هذا المجال عوامل أساسية عديدة يتمثل أهمها بالعوامل النفسية التي توفر الاستعداد الذاتي لتقبل التعاطي، والعوامل الاجتماعية المحيطة والتي تدفعهم إلى التعاطي، وبذلك تتضافر العوامل النفسية والاجتماعية في انتشار الظاهرة. بالإضافة إلى ما تظهره هذه الدراسات أيضاً من أبعاد اقتصادية وسياسية ترتبط بالشروط الاقتصادية للدول المنتجة، وبتوظيف الظاهرة للصراعات السياسية في بعض الحالات.
     غير أن جانباً مهماً في التحليل الاجتماعي ما زال يحتاج إلى مزيد من التقصي والتحليل، فالمشكلة ليست مشكلة أفراد وحسب، بدلالة أن حجم الظاهرة، ودرجة انتشارها تختلف بين الدول والمجتمعات بشكل كبير، ففي حين تصل نسبة التعاطي في بعض البلـدان إلى أكثـر مـن (10%) أو (20%) من السكان، يلاحظ أن نسبة التعاطي في بلدان أخرى لا تتجاوز نسبة (5%) فقط أو أقل، ويدل ذلك على أن مشكلة تعاطي المخدرات تعود في جزء كبير منها إلى مجموعة من العوامل الثقافية والحضارية التي تميز المجتمعات الإنسانية، وتجعل بعضها أكثر ميلاً إلى قبول الظاهرة، بينما تجعل بعضها الآخر  أكثر رفضاً لها، وبذلك تصبح درجة انتشار الظاهرة مختلفة بين المجتمعات بمقدار اختلاف خصائصها الثقافية والحضارية والتاريخية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق