الإتجار بالبشر والهجرة غير المشروعة: الماهية والأنماط والممارسات

تعد جرائم الإتجار بالبشر من أكثر الجرائم خطورة في تاريخ المجتمع الإنساني، لما تنطوي عليه من انحلال أخلاقي وقيمي يجرد الفاعلين من أية أبعاد إنسانية في شخصياتهم، فجرائم القتل والسرقة والإتجار بالمخدرات وحتى تجارة السلاح تحمل في مضامينها سعيا لتحقيق مكاسب مادية وأرباح مالية كبيرة، إلا أنها تمس ماله صلة بالضحية أكثر من ارتباطها بالضحية مباشرة، فليس هدف السرقة هو الإنسان، إنما المال الذي يملكه الإنسان، وإذا أتيح للجاني الحصول على المال دون قتل، فلا شك في اختياره لهذه الطريق، كما أن جريمة الاتجار بالمخدرات مرتبطة بتفاعل الضحية وتقبله لجعله موضعاً للاستلاب، وحتى جرائم الاتجار بالسلاح التي يترتب عليها قتل الأبرياء في سياق ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة، فإن الضحية غير مستهدفة بذاتها إنما لغايات أخرى، أما في جرائم الاتجار بالبشر فتكمن خطورتها من الناحية الإنسانية في كون الضحية هدفاً بحد ذاته، دون أن تكون له مشاركة فعلية في عملية الإجرام، فقد تتبع عصابات الإجرام أوضاع مجموعة من الأطفال في الشوارع والحارات والأزقة بهدف سرقتهم مباشرة، والمتاجرة بهم في مجالات الاتجار بالبشر، وقد تستهدف هذه العصابات بعض النسوة في ظروف نفسية واجتماعية مختارة ليصار إلى استغلال هذه الظروف والسيطرة عليهن والمتاجرة بهم في سوق المتاجرة، بالإضافة إلى حالات استغلال الأوضاع الصعبة لمجموعة من الشباب والعمل على تهريبهم إلى دول أكثر ثراء، دون أن تتوفر لديهم فيها شروط إقامة نظامية.
وعلى طرف آخر تأخذ بالانتشار أشكال أخرى من المتاجرة بالبشر تتمثل في تهريب الشباب الراغبين إلى دول أجنبية يبحثون فيها عن فرص عمل مناسبة وظروف حياة اقتصادية واجتماعية أفضل من تلك التي يعيشونها في بلدانهم، في الوقت الذي لا يستطيعون فيه اتباع الطرق القانونية لهذا الانتقال، مما يدفعهم إلى الطرق غير المشروعة عبر شركات تهريب البشر مقابل تعويضات مالية كبيرة مع المرور بصعوبات مناخية وإدارية وتنظيمية بحتة قد تودي بحياة الكثيرين منهم، في متاهات الصحراء مترامية الأطراف أحياناً، وغرقاً في البحار والممرات المائية أحياناً أخرى، لغياب شروط الانتقال الصحية التي تضمن لهم السلامة خلال رحلات انتقالهم غير القانونية، وتجد عصابات تهريب البشر عبر البحار والممرات الصحراوية الطويلة من خلال هؤلاء ما يساعدها في تحقيق أرباح مالية كبيرة دون أية ضمانات تعود عليهم بسبب اندفاعهم للخضوع لعقود انتقال غير متكافئة، ولا تتوفر فيها الحدود الدنيا من شروط السلامة والأمان على الرغم من ارتفاع تكاليف النقل من جهة، وتحدياته من جهة ثانية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق