الدراسات العلمية الجامعية بين الفكرة النظرية والمشكلة العملية

تختلف البحوث العلمية ذات الصلة برسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه عن غيرها من البحوث التي تولي اهتمامها برصد مشكلات الواقع وطرق معالجتها له بما تنطوي عليه البحوث العلمية من قضايا معرفية وأسس منهجية لا حاجة لها بالضرورة في البحوث والدراسات الأخرى، فإذا ما فقدت رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه ما يميزها عن غيرها استحالت إلى دراسات غير علمية وفقدت قدرتها على المساهمة في تطور المعارف الإنسانية حتى مع معالجتها لأكثر المشكلات تعقيداً.
وما يميز رسالة الماجستير أو أطروحة الدكتوراه في الغالب الفكرة التي تأخذ بها، أما ما يميز الدراسات الأخرى فهو الموضوع الذي تعالجه، وبين الفكرة والموضوع فجوة كبيرة لا يجوز تجاهلها في أية رسالة علمية أو أطروحة، ولهذا يلاحظ أن أغلب المعنيين بمنهجيات البحث يؤكدون على ضرورة التمييز بين الأهمية العلمية للدراسة، وبين الأهمية العملية التطبيقية، كما يؤكدون على ضرورة التمييز بين الأهداف العلمية لرسالة الماجستير أو أطروحة الدكتوراه، وبين أهدافها العملية والتطبيقية، مع الإشارة إلى إمكانية التخلي في كثير من الأحيان عن الأهمية التطبيقية، والأهداف العملية على أن لا يمس ذلك الفكرة الأساسية التي تتجلى في الأهمية للعلمية البحث.
وفي هذا السياق تأتي الخطوات اللاحقة من خطوات البحث العلمي منسجمة مع الأهداف العلمية التي تتوخاها الرسالة أو الأطروحة، من حيث طبيعة التساؤلات التي يثيرها البحث، والفرضيات الأساسية التي يسعى للتحقق منها، والتعاريف الإجرائية للمفاهيم والمصطلحات المستخدمة، بالإضافة إلى ارتباط الإجراءات العملية اللاحقة بتحديد مجتمع البحث الأصلي وعينة الدراسة وغيرها بما يحدده الباحث بداية من أهداف علمية وعملية.
وتأتي في هذا السياق الوظيفة المنوطة بكل جانب من جوانب الأطروحة أو الرسالة، فالإطار النظري لا يخرج عن مضمون الفكرة العلمية التي تتصدى لها الأطروحة، أو الرسالة، ومن ثم الرؤية التي يحددها الباحث لمعالجة مشكلته على المستوى التحليلي، وما يترتب على هذه الرؤية من افتراضات علمية وتساؤلات يريد أن يجيب عنها وانتهاء بالنتائج التي يتم التوصل إليها، وربطها بما خلصت إليه دراسات علمية أخرى تشترك بالفكرة وإن اختلفت بالموضوع.
ويبدو أن التمييز بين الرسالة العلمية التي تنطوي على فكرة أساسية تتم من خلالها الإضافة المعرفية في المجال التخصصي، وبين البحث العلمي الذي يراد منه معالجة مشكلة في الواقع مازال ضعيفاً، بل من الملاحظ أن أغلب الرسائل الجامعية تولي اهتمامها بالدرجة الأولى بالمشكلة كما يعاني منها الناس في الواقع على حساب الفكرة التي تشكل جوهر الأطروحة، أو الرسالة العلمية، والتي من خلالها تتحقق عملية الإضافة المعرفية، ذلك أن الرسالة العلمية لا تكتفي بفهم الواقع ومعالجته، إنما تولي اهتمامها الأول بما تضيفه إلى التراث المعرفي من أفكار تصحح ما سبق من أفكار، أو تؤكد ما سبق من رؤى، أما أن تكون الرسالة العلمية معزولة عن سياقها المعرفي ففي ذلك خروج كبير عن المضمون العلمي للرسالة.
وفي ضوء هذا التصور تعالج الورقة موضوعها من خلال ثلاثة محاور أساسية، يتناول الأول مسألة التمييز بين الفكرة والموضوع في رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه، ويبحث المحور الثاني في مضمون رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه كما هي في الواقع، ويأخذ المحور الثالث بتوضيح التوصيات والاقتراحات العملية التي من شأنها تطوير رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق