المستلزمات البحثية لتطوير الخطاب الإعلامي

يعد الخطاب الإعلامي عاملاً أساسياَ من العوامل المؤثرة في اتجاهات الرأي العام نحو القضايا الأساسية التي تهم الحكومات والدول في مختلف أنحاء العالم، وغالباً ما يسهم ذلك في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فالرأي العام يشكل الأساس الذي تبنى عليه القرارات التي تستهدف مستقبل الجماعة ووحدتها وعوامل استقرارها، وغالباً ما تنهي القرارات غير المبنية على معرفة معمقة باتجاهات الرأي العام، أو غير المتوافقة معها، إلى الفشل وعدم التحقق، فضلاً عما تسببه من تناقضات ومشكلات متنوعة داخل الجماعة الواحدة وبين الجماعات المختلفة. ذلك أن القرارات التي تمثل رأي الجماعة تستوجب تضافر عناصر الجماعة لجعلها قابلة للتنفيذ  في حيز الواقع، وعندما تأتي هذه القرارات على غير توافق مع اتجاهات الرأي العام في هذه الجماعات فمن الطبيعي أن تظهر ملامح التضارب والتنافر في اتجاهات السلوك الاجتماعي ضمن الجماعة، وبالتالي التنافر والتضارب في اتجاهات الفعل الاجتماعي، والذي تظهر آثاره بصورة واضحة في أداء الجماعة بكليتها.
وفي ضوء ذلك تكمن أهمية الخطاب الإعلامي لما يؤديه من دور أساسي في توجيه الرأي العام، وفي تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي، إن الوظيفة الأساسية للمؤسسات الإعلامية إنما هي في تعزيز مشاعر الناس وأحاسيسهم وعواطفهم نحو قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية متنوعة تختلف باختلاف المؤسسات الإعلامية وأهدافها وغاياتها، وعندما يفقد الخطاب الإعلامي فعاليته تفقد المؤسسة الإعلامية وظيفتها وتفقد أيضاً مسوّغات وجودها الأساسية، وتصبح عبئاً على الاقتصاد الوطني، وقد يسهم الخطاب الإعلامي بشكل غير مباشر في تبديد الرأي العام وتشتيته، وينمي أوجه التناقض فيه، ويجعل الباب مفتوحاً لتأثير المؤسسات الإعلامية الأخرى في توجيه الرأي العام الداخلي، وتحريض الاتجاهات المتنافرة في كثر من الأحيان.
وبالنظر إلى أن الجماعات الإنسانية تتصف بالتنوع في مكوناتها الاجتماعية، حيث تظهر ملامح التباين في فئات الأعمار، ومستويات المعرفة، وحجم الخبرات الشخصية، وطبيعة الكفاءات التي تميز كل من أفرادها، بالإضافة إلى التنوع في طبيعة التجارب التي يعيشها كل فرد من أفراد الجماعة، فإن المجال الإدراكي لكل منهم يأتي مختلفاً عن المجال الإدراكي لغيره، وبالتالي فإن الخطاب الإعلامي لا بد أن يبنى على أساس تنوع المجتمع المستهدف، وليس بوصفه كلاً متجانساً تنفي فيه مظاهر التنوع.
ولما كان التباين في مجالات الإدراك يؤثر في اتجاهات الرأي العام، ويدفع الأفراد إلى اتخاذ مواقف متباينة إزاء القضايا التي يعيشون فيها، فإن مشكلات كثيرة يمكن أن تنشأ بينهم، وقد تصل مرحلة التناقض، فتأخذ جماعة من الأفراد بمسار معين، وتأخذ جماعة أخرى بمسار مضاد، وتأخذ جماعة ثالثة مواقف مضطربة تارة، ومستقرة تارة أخرى تبعاً لطبيعة مستويات الإدراك، واتجاهات الرأي العام.
وفي ضوء هذا التصور تكمن أهمية الخطاب الإعلامي في توجيه الرأي العام بالشكل الذي يجعل جهود أفراد الجماعة متضافرة ومتكاملة، ويساند بعضها بعضاً، وغالباً ما يتحقق ذلك من خلال آليتين أساسيتين، ترتبط الأولى بتنمية المعارف العامة المتعلقة بمواضيع الاتجاه، وتتصل الثانية بالقيم الاجتماعية والثقافية المحددة لمسارات الاتجاه وغاياته.

وفي الوقت الذي يمكن أن يؤدي ضمور المعارف إلى تشتت الاتجاهات وضعف فعالياتها، وإمكانية تغييرها إذا ما تعرضت لتأثيرات محيطة، فإن غياب القيم الضابطة لمسار الاتجاه يؤدي أيضاً إلى توظيف المعارف الإنسانية الخاصة بموضوع الاتجاه في غير موقعها الصحيح، ويجعلها تعزز رأياً مختلفاً لما يراد منها، فيفقدها ذلك أهميتها ومضمونها الاجتماعي والثقافي والسياسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق