الجوانب الاجتماعية للشرطة المجتمعية

تأتي أهمية الشرطة المجتمعية في ظروف مجتمعنا العربي الراهن من كونها معنية بأمن المجتمع وحمايته من الأخطار التي تهدده، والتي تشكل الأساس الذي تقوم عليه أنماط الفعل الجرمي التي تتمثل بعدوان بعض الناس على بعضهم الآخر، بسبب انفلاتهم من القيم الإنسانية والأخلاقية التي تضبط سلوكهم وتحول دون ممارستهم للأفعال التي تمس أمن الآخرين، في حياتهم وأموالهم وأعراضهم.
والشرطة المجتمعية بهذا المعنى هي نظام ضبط اجتماعي يولي اهتمامه بمظاهر السلوك الإنساني اللامعياري، وخاصة أنماط السلوك التي لا تهدد مباشرة فرداً من أفرادا المجتمع، ولا مؤسسة من مؤسساته، إنما تهدد الروابط والقيم التي تنظم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين الدولة من جهة أخرى.
وبذلك تؤدي الشرطة المجتمعية دوراً لا تؤديه المؤسسات الأمنية، الأخرى، وبالتالي فهي تسهم في تحقيق الأمن الوقائي الذي يعالج القضايا قبل استفحالها. وتكمن أهمية هذه الوظيفة في مجتمعنا العربي في قدرة الشرطة المجتمعية على القيام بدور الوجهاء، والشخصيات التي كانت تأخذ بحل القضايا ومعالجة المشكلات دون اللجوء إلى المؤسسات القضائية المعتمدة من قبل الحكومات والدول. وتندرج في إطار هذه المجموعة مهام الشرطة المجتمعية المعنية بالأشخاص المتوقع إقدامهم على ممارسة الفعل الجرمي، والأفعال التي تخالف النظام العام، وتلحق الأذى والضرر بالأفراد أو المؤسسات على حد سواء، فمن المتوقع أن تقوم الشرطة المجتمعية بتتبع فأصحاب السوابق من الأشخاص الذين ارتكبوا أفعالاً جرمية سابقة، والعمل على إصلاحهم وتهذيب أخلاقهم، وتوفير الظروف المناسبة لعملهم والحيلولة دون ارتكابهم لأي فعل يخالف العرف العام، أو القانون. وبهذه الوظيفة تمارس الشرطة المجتمعية عملها بالتنسيق مع المعنيين بالخدمة الاجتماعية اللاحقة لمن سبق توقيفهم في إحدى المؤسسات الإصلاحية أو متوقع إقدامهم على أي نمط من أنماط السلوك الذي يعاقب عليه القانون.
وتزداد أهمية هذه الوظيفة في مجتمعنا العربي خاصة بسبب ما تتعرض له هذه المجتمعات من تحديات تمس أمنها من النواحي الحضارية والثقافية والاجتماعية، بالدرجة الأولى، الأمر الذي تترتب عليه وظائف جديدة لأجهزة الأمن، والشرطة لم تكن بذات الأهمية كما هي عليه اليوم، فمظاهر العدوان والاعتداءات المستمرة على المجتمع بقيمه، وثقافته، وحضارته، غدت أكثر انتشاراً من مظاهر العدوان على الأفراد بل أصبحت هذه المظاهر بمثابة المقدمات الأساسية التي تبنى عليها أشكال الجريمة والانحراف والاعتداءات المباشرة. ولهذا أصبحت الوظائف المنوطة بالأمن والشرطة تتجاوز حدود مظاهر الجريمة التقليدية، وتتجاوز حدود الفعل الجرمي المباشر، لتصبح معنية بكل مظاهر العدوان أو الاعتداءات المستمرة على بنية المجتمع وثقافته وحضارته، وبذلك تختلف مهام الشرطة المجتمعية عن المهام الأخرى في كونها معنية بما يمس أمن المجتمع، وأمن الأسس التي يقوم عليها ويستقر على أساسها منذ مئات السنين.
والمشكلة أن التفاعل مع الغرب المتقدم، أخذ يتزايد على مستوى كل الدول العربية، ويأخذ عدد كبير من المثقفين والمفكرين بالتأثر بما للغرب من عادات وتقاليد ومعايير اجتماعية تخالف في جوهرها ما استقر عليه مجتمعنا العربي منذ مئات السنين، وأخذ هؤلاء ينظرون إلى الثقافة الغربية وكأنها النموذج الذي لابد من الاقتداء به ظناً منهم بأن تقدم الغرب وتفوقه يعود إلى هيمنة القيم وهذه المعايير، وبرغم أن ولاة الأمر في معظم الدول العربية تدرك خطورة المشكلة غير أن أعداد الشباب المشار إليهم في تزايد مستمر، خاصة بعد أن أخذت تنتشر صحون التلفزة الفضائية، والانترنيت، ووسائل الاتصال الواسعة.
وفي ذلك تكمن أهمية البحث في جوانب الموضوع، فما هي المعايير الأخلاقية والاجتماعية التي تشكل أساس المجتمع الذي نعيشه في الدول العربية والتي تنبغي حمايتها، وماهي القيم والمعايير التي تحكم المعنيين بضبط السلوك وتقييمه، خاصة بعد أن أصبحت المعايير والقيم المطلوب حمايتها موضع خلاف بين أفراد المجتمع الواحد، وامتد الأمر ليصبح الخلاف بين المعنيين بعملية الضبط أنفسهم، فما هو حال رجال الشرطة المعنيين بحماية القيم والدفاع عنها في الوقت الذي يضمرون الرغبة في تجاوزها، والانفلات من قيودها بحكم تأثرهم بثقافة العصر، ووسائل الاتصال الواسعة التي في حوزتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق