مستقبل الإنسان بين الأخلاق وتطور العلم

تعرف الدول والمجتمعات الكثير من مظاهر الصراع والحروب حول مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. وغالباً ما تجعل هذه الصراعات الباب مفتوحاً أمام احتمالات متعددة يصعب التنبؤ بها، فكل أشكال الصراع والحروب التي يشهدها المجتمع، وتلك التي شهدها في تاريخه الطويل إن في حقيقة الأمر إلا تجسيد لفهم خاطئ حول المصلحة، والكيفية التي يستطيع المجتمع من خلالها تأمين حاجاته، وتوفير لوازم تطوره، وعلى الرغم من وضوح الأمثلة الكثيرة التي يمكن أن الاستشهاد بها والتي تدل من حيث النتيجة إلى المردود الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لأشكال الحروب المختلفة ومظاهر الصراع بين الدول والمجتمعات والقوى المختلفة تقل كثيراً عن المردود المتوقع إذا ما أخذ الإنسان بتصحيح أفكاره حول الطريقة الأفضل لتفاعله مع الآخر، وكيفية حصوله على المنافع والخيرات التي تضمن استمرار حياته وتطورها.
لقد حقق الإنسان خلال تاريخه الطويل قفزات نوعية كبيرة في التطور التقني والمادي، وسرعان ما وجد آثار ذلك في حياته المعيشية والاجتماعية، فساهم تطور وسائل الإنتاج في تحقيق الوفرة الاقتصادية التي مكنت الكثير من الدول والمجتمعات الإنسانية من تحسين مرافق حياتها ومصادر قوتها ومُنعتها حتى أصبحت في نظر الشعوب الأخرى الأقل تطوراً نماذج مثالية تحتذى في عاداتها وتقاليدها وقيمها، ولم تعد الدول المتقدمة في وسائل إنتاجها مصدر للسلع والخدمات التي تستوردها الدول الأقل في سلم تطورها فحسب، بل باتت مصدر القيم الأخلاقية والنماذج السلوكية التي أخذت تنتشر بقوة في معظم أنحاء العالم على مبدأ نظرية المحاكاة والتقليد، النظرية التي كشف عن مكوناتها وأرسى أسسها الفيلسوف العربي والإسلامي الكبير عبد الرحمن بن خلدون.
ويعيد كل المتتبعين لمظاهر التغير الواسعة في العالم هذا التطور الكبير إلى العلم بما يحمله من طاقة كبيرة، حتى أصبح هذا التعبير "العلم" ينطوي على وقع سحري في نفوس الأفراد والجماعات على المستويين الرسمي وغير الرسمي في وقت واحد، وبات شعاراً تنتظم من خلاله جهود إنسانية كبيرة توفي أغراضه أحياناً، وتفتقر إليها أحياناً أخرى، وفي المجمل كانت سحرية المفهوم تلقي بظلالها على الجهود التي تبذلها المؤسسات العلمية في معظم أنحاء العالم، فباسمه أسست جامعات كثيرة، وطورت جامعات كبيرة، وأحدثت مجالات عمل أكبر من أن تحصى، ولم يعد في مقدور أي باحث في العالم أن يكون ملماً حتى بتفاصيل مجال تخصصه الدقيق، ولا حتى في أي مجال من المجالات التي باتت غير قابلة للعد أو الإحصاء، ولم يكن لذلك أية مسوغات عملية لولا النجاحات التي حققها العلم في عمليات التطور المشار إليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق