تنمية المجتمع المحلي: أسسه ومقوماته

بات التخطيط لتنمية المجتمعات المحلية ضرورة ملحة تمليها مجموعة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تجابه خطط التنمية في مختلف البلدان النامية بصورة عامة، وفي الجمهورية العربية السورية بشكل خاص لما يتميز به كأسلوب في علمي يخدم أغراض التنمية ويساعد في معالجة التضارب بين تنمية القطاعات المختلفة من خلال قدرته على التنسيق بينها في إطار التخطيط الإقليمي الشامل للتنمية.
ويستخدم تعبير "التخطيط لتنمية المجتمع المحلي" للدلالة على الجهود التي تبذلها الجهات المعنية بالتنمية بغية الاستفادة القصوى من الشروط الاقتصادية والاجتماعية والمادية لمجتمع محدد، أو لإقليم جغرافي بعينة، وتوظيفها لما يفيد في تطور المجتمع نفسه، والمجتمعات المحلية المجاورة له، في سياق عملية التنسيق بين الموارد المتاحة في كل منها. وغالباً ما يستخدم تعبير "التخطيط الإقليمي" للدلالة على عملية التنسيق التي تسهم في تحقيق التنمية الاجتماعية في كل مجتمع من المجتمعات المحلية بالشكل الذي يجعل المجتمعات المحلية المتجاورة كلاً متكاملاً ومتناسقاً وموحداً، ولهذا يعرف التخطيط الإقليمي بأنه دراسة جوانب الإقليم من النواحي المكانية والطبيعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى البنية الأساسية في الإقليم.
وتقوم التقسيمات الإقليمية على أساس مجموعة من المعايير والاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية التي تميز الإقليم أو المجتمع المحلي عن غيره من الأقاليم أو المجتمعات المحلية، بقصد تسهيل مهمة التعامل مع كل مجتمع بحسب واقعه وظروفه الاقتصادية والاجتماعية الموضوعية.
أما أهمية تطوير المجتمعات المحلية في إطار التخطيط الإقليمي الشامل الأوسع فتأتي من التباين الكبير الذي بات واضحاً بين توزع السكان في المناطق والأقاليم المتعددة، وتوزع المشاريع الاقتصادية التي تتصف بارتفاع كثافتها بالموازنة مع سكان مناطقها، وغالباً ما يأتي ذلك إثر التطور العشوائي لمشاريع التنمية التي لا تأخذ بالاعتبار خصائص المجتمعات المحلية ومقوماتها الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية.
لقد ترك ارتفاع معدل التكثيف الصناعي في مناطق دمشق وحلب وحمص وحماه (حيث قامت في هذه المراكز أهم الصناعات في سورية) آثاره البينة في ارتفاع الكثافة السكانية في تلك المناطق، مع صعوبة تلافي آثار الصناعة على البيئة، يقابل ذلك انخفاض الكثافة السكانية في الشمال الشرقي من سورية وضعف الخدمات على الرغم من احتواء تلك المناطق لثلاثة أرباع الثروة الطبيعية أو الموارد التنموية، فيلاحظ أن (45 %) من السكان يتمركزون في منطقتي دمشق وحلب، في حين تقل نسبة السكان في مناطق الجزيرة عن ذلك كثيراً، وكذلك الحال في البادية السورية على الرغم من وجود إمكانات كبيرة فيها لإيجاد نشاطات زراعية بطريق العناية بأنواع مختلفة من الزراعات المشجعة للمراعي واستثمار تربية المواشي وتحسين الوضع الاقتصادي للسكان وللمجتمع في سورية بصورة عامة.
وتعطي توزع المياه صورة مماثلة، ففي شرق المنطقة الجنوبية من سورية مساحات واسعة من الأراضي الخصبة والقابلة للزراعة، ولكن تنقصها المياه، وفي غرب المنطقة نفسها تعد المياه فاضة نسبياً ويذهب جزء كبير منها في الوديان دون استثماره بالقدر الكافي، أما في منطقة الساحل فتراوح كمية الهطول بين (1000) و(1400) مم سنوياً وهي نسبة مرتفعة غير أن الاستفادة منها مازالت محدودة حيث يتركز هطول الأمطار بحدود ثلاثة أشهر في السنة، وتحدث الفيضانات وتمتلئ الأودية، وفي الصيف يصبح جزء كبير من هذه الأراضي مفتقراً للمياه، وبحاجة إليها لعدم وجود تنظيم دقيق لمصادر الثروة المائية.
فالتخطيط لتنمية المجتمع المحلي في إطار التخطيط الإقليمي والأخذ به كأسلوب علمي للتخطيط يعد ضرورة لتحقيق كفاءة الاقتصاد الوطني وتوازنه النوعي والكمي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق