الشباب والانتماء الوطني والتحديات المعاصرة

لا يمكن تصور خطر يمكن أن يهدد المجتمع والدولة والأفراد أشد من خطر ضعف الانتماء الوطني والسياسي، فهو بالإضافة إلى كونه يسهم في تعطيل الوظائف الاجتماعية للمؤسسات على اختلاف أشكالها وأنواعها، فإنه يعد العامل الأول في إضعاف المجتمع وتقويض كل مصادر قوته الثقافية منها والاجتماعية والاقتصادية، فضلاً على كونه واحداً من أهم العوامل التي انتشار مظاهر الفساد وتجاوز المعايير الأخلاقية والاجتماعية والسياسية، وغالباً ما يقترن بانتشار الميل نحو تحقيق المصالح الخاصة والمنافع الضيقة على حساب الدولة والمجتمع.
وتزداد خطورته ضعف الانتماء في ظروف التحديات الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية التي تجابه المجتمع العربي المعاصر، ذلك أن هذا الضعف يمد الكيان الصهيوني بقوة إضافية تساوي في حجمها ما يناله المجتمع العربي نفسه من ضعف وانحلال، وعلى هذا، فكل منفعة خاصة يمكن الحصول عليها بطرق لا يقرها المجتمع، تعد شكلاً من أشكال ضعف الانتماء الوطني والسياسي للدولة من جهة، وهي تمد الكيان الصهيوني بدعم إضافي يزيد على قيمتها الفعلية من جهة ثانية، كما أنها تشكل سبباً لضعف الدولة الأم بمقدار ما قدمته من دعم لذلك الكيان.
ولضعف الانتماء الوطني أشكال عديدة، تتجلى في أنماط سلوكية يومية تارة، واستثنائية تارة أخرى، ومن مواقع اجتماعية متنوعة أيضاً، فقد يتجلى ذلك في سلوك الموظف والتاجر والحرفي والمزارع والطالب، ورب الأسرة، ولا يستثنى من ذلك كبار السن، أو علماء الدين ورجالاته، أو كبار الموظفين والمستشارين وغيرهم..  فكل سلوك يمارسه الفرد في أي موقع اجتماعي يشغله، يمكن أن ينطوي على دلالة ضعف الانتماء بصرف النظر عن وعيه بذلك أو عدم وعيه.
فالاختلاس والرشوة التي يمارسها بعض العاملين في الدولة، لا تقل خطورة عن التهرب الضريبي التي يقدم عليها هذا التاجر أو ذاك، كما أن ذلك لا يقل في خطورته عن التلاعب بالأسعار، واحتكار السلع، والاستهلاك الترفي بغرض التفاخر والتباهي، والتمسك بحرفية اللوائح الإدارية والنصوص القانونية على حساب مضمونها مقابل منافع مادية ضيقة ومحدودة.
والمشكلة الأكثر تعقيداً أن عدداً كبيراً من الأنماط السلوكية التي تبدو للوهلة الأولى أنها تسهم في عملية التطوير الاقتصادي والاجتماعي للدولة تقوم في مضمونها على ضعف الانتماء الوطني والسياسي مع غياب الرؤية الواضحة والفلسفة المتكاملة لعملية التطوير، وبخاصة عندما يصبح في مقدور المهني والمتخصص تقديم مسوغات فنية لما يقدم عليه من أنماط سلوكية تؤدي من حيث الشكل وظائف حيوية بالنسبة إلى المجتمع، وربما استطاع أن يدلل على ذلك بوثائق وأرقام توحي بمصداقيته، وسلامة تصرفاته، ولكنها تنطوي في مضمونها وحقيقتها على منافع شخصية تعود إليه بالدرجة الأولى، وتسهم في إضعاف الدولة المجتمع على نحو بالغ.
في ضوء ذلك تكمن أهمية البحث في مسألة الانتماء الوطني والسياسي لما له من أهمية في بناء المجتمع الحديث، والدولة الحديثة، ولما له أيضاً من أهمية كبيرة في سياق الصراع العربي الصهيوني، وفي سياق التحديات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تهدد مجتمعنا العربي الراهن، وفي  ضوء ذلك أيضاً تكمن أهمية البحث في قضايا التنشئة الاجتماعية والسياسية للشباب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق